ثقافة ورياضة

قضية المعلمين تفتقِدُ بيئةً مشتركةً للحلّ، والأزمة تتصاعد!

حرية الرأي والتعبير شرطٌ أساسي لنهوض أي مجتمع، تتنوع طرقها ووسائل التعبير عنها حسب الجهة التي تقوم بتلك الأنشطة، والواقع المحيط بها.

تظاهر المعلمون قبل سنواتٍ عدة، مطالبين بتحسين العملية التعليمية برمّتها، إذ بنيت العملية التعليمية في المنطقة بنظامٍ يشبه وضع الطوارئ في دول الحرب فكانت كما يلي:

١- المعلمون متطوعون في العملية التعليمية، لايحكمهم نظامٌ تعليمي مكتوب، يعترف بحقوقهم الوظيفيّة وتسلسلها، باستثناء الحدّ الأدنى، وهي النظام الفصليّ والحمايةُ داخل الغرف الصفية، وتسهيل العملية داخل الغرف الصفّية.

٢- يُمنح المعلم مبلغاً مادّياً تعويضيّ، لاتحكمه أنظمة سلّم الرواتب القانونية، وينتهي بنهاية خدمته.

٣- لايحقّ للمعلم أن يمثّل نفسه بأي جسمٍ نقابيّ، أو هيكلٍ تنظيميّ خارج مديريات التربية،التي تمنحه توصيفاً تطوّعيّاً.

٤- لايوجد دوائر مختصّة بالمناهج، فتعدّدت المناهج، وخالف بعضها القيم الدينية والثورية، ولم تشمل الحدّ الأدنى من مُتطلّبات الثورة السورية.

٥- غياب الدوائر الامتحانية المُتخصّصة، فتقع الأخطاء الامتحانية في كلّ دورةٍ بشكلٍ مختلف، مرّة بشكل أخطاء في النماذج الامتحانية، وأخرى في تقدير الأسئلة وتوافقها مع المنهاج المُقرّر.

٦- لاتزال العديد من المدارس خارج الخدمة، بفعل إشغالها في الخدمة العسكرية والأمنية، أو كدوائر خدمية، وتراكم الطلاب في الصفوف الدراسية بواقع ٥٠ طالبٍ في الصفّ الواحد، في كثيرٍ من المناطق والأحيان.

٨- قلّة عدد الموظفين الإداريين، المُختصّين بمراقبة وتطوير العملية التعليمية، فلايوجد موجّهون اختصاصيّون للمواد الدراسية ومتابعتها، ولا جهات رقابةٍ ومتابعة، وتمّ تقليص عدد الإداريين الى الحدّ الأدنى في كلّ مدرسة.

٩- لايوجد موازنة سنوية تُقرّرها المجالس المحلية أو الحكومة المؤقتة للتعليم، وتتلقّى المدارس دعمها بشكلٍ آني، ضمن مشاريع مؤقّتة، في حين تُمنح التعويضات للمعلمين من قبل الدولة التركية.

ضمن هذه البنود يسعى المعلمون لتوحيد صفوفهم خلال فترات اعتراضهم عبر مظاهراتٍ أسبوعية، وإضرابٍ نهاية كلّ أسبوع.
هذه المرّة يختلف الحراك بأشكاله، فالإضراب يدخل شهره الثالث، بواقع يوم أو اثنين كلّ أسبوع، ومظاهرات أمام مديريات التربية ومركز afad، للمطالبة بتحسين الواقع المعيشي للمعلم.
إضافة لتقدّمهم خطواتٍ نحو تشكيل نقابة المعلمين الأحرار.

فماذا تفيدُ تلك النقابة؟، وهل تتعارض مع عمل مديريات التربية؟
تُعدّ النقابات والاتحادات من أهم العوامل التي تساعد في تنظيم العمل، وذلك لما تؤدّيه من خدماتٍ لأعضاءها، أهمها الحماية من قرارات السلطات المحلية – بحال كانت غير منصفة – ورعاية مصالح أعضاءها وضمان حصولهم على حقوقهم المادّية والمعنوية.
على هذا نرى أن واقع المعلمين لايحتاج إلا لنقابة تنظّمهم، وتضمن لهم وصولهم لحقوقهم التالية:

– ضمان عدم إجبارهم على التوقيع على أي وثيقةٍ تسلب منهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير.

– الدفاع عنهم بحال تعرّضهم لأي اعتداءٍ في مجال عملهم، داخل أو خارج المدرسة

– ضمان حصولهم على أفضل التعويضات المالية، ضمن الظروف الممكنة.

– أن يكون عمل المعلم مؤطّراً ضمن قوانين محدّدة ومكتوبة.

– أن تكون مقترحاتهم لتطوير التعليم، وكشف الأخطاء والتقصير مسموعةً لدى الجهات المسؤولة عن إدارة التعليم.

– تطوير أدوات المعلمين، ومهاراتهم ومعارفهم، عبر التواصل مع النقابات والاتحادات في دول الجوار، والدول المتقدمة لكسب المهارات الحديثة في التعليم.

– تنظيم طرق ووسائل التعبير عن الرأي، والحشد لقضايا المعلمين.

ومن مجمل ماذكرنا من مهام النقابة، نرى أن معظم ما ذُكر، لايتمّ تحقيقه بسبب غياب ذاك الجسم الذي يوحّد جهود المعلمين تجاه مطالبهم المشروعة، خصوصاً مع تعدّد الجهات المسؤولة عن التعليم في الشمال المحرّر، ونذكرها كما يأتي:
التربية التركية:
تعدّ الجهة المشرفة على التعليم في المراحل الثلاث، وتقوم بتنسيق أعمال مديريات التربية في كلّ منطقة حكمٍ محلّي على حدة، وتشرف على المناهج التعليمية، وتصادقُ على شهادات الثانوية العامة.
وتؤمّن التربية التركية مِنحاً مالية للمعلمين، تدفع بشكلٍ شهريّ بواقعِ اثني عشر شهراً من كلّ سنة، وتنظّم عمل المنظمات الداعمة في المجال التعليمي.
ويكون لها مُنسّقاً تعليمياً في كلّ مديرية تربيةٍ في المنطقة.

– المكتب التعليمي:
أعلى منصبٍ في العملية التعليمية لكلّ منطقة، يتبع للمجلس المحلي في كلّ مدينة، ويكون مسؤولاً عن تأمين الدعم للعملية التعليمية، وصرف النفقات لمديريات التربية، والتواصل والتنسيق مع المنظمات الداعمة للتعليم بعد حصولها على ترخيصِ عملٍ في المنطقة.
كما تصدر القرارات عن المكتب التعليمي، فيما يخصّ التوظيف والفصل، بعد متابعة مديرية التربية.

– مديرية التربية:
هي الجهاز التنفيذي الذي يقوم بالإشراف على العملية التعليمية، ومراقبتها، ومتابعة المدرسة والصفوف، تتبع للمجلس المحلي إداريّاً، وتستقلّ عنه تنفيذيّاً.

وزارة التربية في الحكومة المؤقتة:
لايتبع للوزارة مدارس أو معلّمون، وتقوم بتنظيم امتحانات سنويّة للشهادات الأساسية والثانوية، ولاتمتلك قراراً فيما يخصّ التعليم بكافّة مراحله، باستثناء التعليم العالي، ويتبع لها مجلس التعليم العالي، وينظّم عمل الجامعات والمعاهد.

كيف ترى تلك المؤسسات حراك المعلمين؟
تنظر الجهات المسؤولة عن العملية التعليمية أن مطالب المعلمين مُحقّة فيما يخصّ زيادة الرواتب، وغير مُحقّة فيما سواها.
فلم توافق المجالس المحلية على مايسعى المعلمون لتأسيسه “النقابة”، وأصدرت في المناطق التي تشرف عليها ولاية كلس بياناً تطلب فيه من المعلمين الآتي:

– التوقّف عن الإضراب، لمافيه من ضررٍ على الطلاب، والحذر من إجراءات قانونية قد تطالُ المُضربين.

– عدم القبول بمساعيهم لتشكيل النقابة، أو أي جسمٍ جامعٍ بغير موافقة المجالس المحلية.

مؤكدة في نهاية البيان على حقّ التعليم للأهالي، ودعم المجالس للعملية التعليمية لضمان استمرارها وتطويرها.

وسبقَ البيانَ صمتٌ عن الحراك الخاصّ بالمعلمين، فلمْ تُبدِ المجالس قبولاً أو اعتراضاً على أنشطة المعلمين، وذلك بسبب تراجع قيمة الليرة التركية، وعدم قدرة المجالس على تأمين الإضافة التي تعوّض المِنح الضعيفة.
ولكن مع تحسّن الليرة التركية، واعتماد زيادةٍ للمعلمين ابتداءً من كانون الثاني من عام ٢٠٢٢، فتَعتبر المجالس أن قسماً كبيراً من مطالب المعلمين تمّت الاستجابة له، وبقية البنود يتمّ حلّها بالتشاور مع مديريات التربية لكلّ منطقة.

وأعقبته مديريات التربية بقرارٍ ضمن اجتماع تقييم العملية التعليمية، نصّت من خلاله على بدء تطبيق المادة ٢٦ من التعهّد الذي تم التوقيع عليه قبل عامين، والذي ينصّ على مايلي:
“في حال قيامي بأعمال تخريبية سواء بشكل فردي أو جماعيّ كتحريض المجتمع أو التظاهر غير المرخّص وتعليق اللافتات وتوزيع المناشير والتي تضرّ أو تعيق العملية التعليمية وتكون غير لائقة بوضعي الوظيفي، وإن ثبت وجودي في إحدى هذه الأعمال فأنا أعلم أنه تمّ إنهاء عملي التطوعيّ”.

على إثر هذا خرج عشرات المعلمين اعتراضاً على هذا القرار، معتبرينه إهانةٍ ورفضاً لمطالبهم، وظلماً لهم.
أعقبته اللجنة التأسيسية لنقابة المعلمين الأحرار بالقرار رقم ١٧ والذي ينصّ على رفع وتيرة الاحتجاجات مالم تتراجع المجالس المحلية عن بنود اجتماع تقييم العملية التعليمية.

الإضراب وسيلة ضغطٍ، فهل تتحوّل لوسيلةٍ عكسيّة؟

جاء الإضراب كأقوى ورقة يستعملها المعلمون ضمن احتجاجاتهم لإيصال مطالبهم للتربية التركية، فأقرّت اللجنة التأسيسية للمعلمين إضراباً في كلّ أسبوع، يشمل يوم الخميس، ويضافُ عليه يوماً آخر بحال التصعيد.
خلال أشهر ثلاث، تراجع التعليم بشكلٍ ملحوظ، لاقتصار أيام الدوام على أربعة خلال الأسبوع، إضافة لاستقالة العديد من المعلمين لأسبابٍ مادّية، نظراً لعدم كفاية المنحة لمصروفهم الشهريّ، أو أسباب أخرى.
إضراب المعلمين واستقالة آخرين وضغوط أخرى على مديريات التربية جعلت التعليم في المدارس العامّة ضمن حدوده الدنيا، فلم يحصل الطلاب في فصلهم الأول على معظم المطلوب من مناهجهم، إضافة لتراجع التعليم الصفّي خلال هذه الفترة العصيبة.
دفع هذا مجموعاتٍ من الأهالي للقيام بخطواتٍ لتجاوز أزمة التعليم، عبر التعاون مع المعلمين بمبادرةٍ تساعدهم مالياً، ريثما يتمّ حلّ الموضوع عبر زيادة المِنح، مقابل ذلك طلب تجمع وجهاء اعزاز من المعلمين إنهاء الإضراب خلال الفترة المقبلة، لما له من تأثير على أولادهم، مع تعهّدهم بدعم مطالب المعلمين لنيل حقوقهم.
رفضت الهيئة التأسيسية لنقابة المعلمين استلام المساعدة، مُعبّرة عن شكرها لجهود الوجهاء في ذلك، وذلك بعد تجاذباتٍ كبيرة شهدتها غرف المعلمين بخصوص التعامل مع المساعدة من الأهالي.
يريدُ الوجهاء إيقاف الإضراب وإكمال التعليم، وذلك لما يسبّبه من ضررٍ على الأطفال، الذين باتوا يتسرّبون عن المدارس أياماً كثيرة، بحجة إغلاق المدارس.

تحوّل قضية المعلمين من مواجهةٍ مع الجهات المسؤولة الى مواجهة مع شرائح محلّية وشعبية مختلفة يُنذِر بتطوّر الخلافات، وطول الطريق، ومصاعب جديدة قد يواجههوها نتيجة مواجهة المجتمع، فماذا إن طال الاحتجاج لأشهر متتابعة بدون حلول أو توافقٍ على تهدئة ووعود؟

نرى نحن في هذا الموقف، أن تسعى مبادراتٌ أهليّة لتشكيل لجانِ وساطةٍ للدخول بين اللجنة التأسيسية والمجالس المحلية ومديريات التربية، لتقليص الهوّة بين الطرفين.
إذ لم تجتمع الجهات المسؤولة والمعارِضةُ على طاولة نقاشٍ واحدة منذ أشهر، ويصعبُ جمعها بعد بياناتٍ وقراراتٍ تصعيديّة بين الطرفين، دون وجود مؤشّراتٍ على تقدّم أحد الأطراف بالتنازل عن مُقرّراته.
وإنّ إيجاد بيئةٍ مشتركة للتفاوض قد تجعل الخروج بأقلّ الخسائر ممكناً، من خلال موافقة المجالس المحلية على تمثيل المعلمين بنقابة، وتشكيل لجان متابعة للقضية، للوصول لمطالبهم، فيما يمكن أن يكون التوقّف عن الإضراب رسالةً تطمينٍ بقبول الطرف الآخر.

وتستمرّ اللجنة التأسيسية لنقابة المعلمين الأحرار بتنظيم الانتخابات للشُعب، حيث يُنتظر أن تكون انتخابات شُعبة معلمي يوم السبت القادم، وذلك بعد إنهاء انتخابات كلٍ من صوران ومارع ومعلّمي المخيمات.

مكتب أعزاز الإعلامي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق