حكم أعزاز لستِّة أشهر, وخرج منها بدون أيّ أثر !.
هي الذكرى السادسة على رحيل تنظيم الدولة – داعش – عن مدينة أعزاز, التنظيم الذي مكثَ في المدينة ستة أشهر دون أن يبقى له أثراً فيها.
كيف دخل التنظيم المدينة؟
بدأ نشاط التنظيم في مدينة أعزاز أواخر عام 2012 عندما كان جزءاً من جبهة النصرة لأهل الشام, وكان ينشط دعوياً فيها بالاضافة للمشاركة في معركة مطار منغ منتصف عام 2013, تلك المعركة التي تركت هامشاً للتنظيم بالتحرك عسكرياً في المنطقة بعد انفصال تنظيم داعش عن النصرة.
بدأت بوادر الصراع في المدينة تنشأ بين لواء عاصفة الشمال وداعش مع اقتراب نهاية مطار منغ, حيث اصبح مقر داعش وسط المدينة يشكّل تحدياً أمنياً كبيراً في المدينة بنشره للحواجز وسيطرته على المساجد واطلاقه لمظاهرات التأييد لمشروع التنظيم – الدولة الإسلامية – وكان عناصره قد بدؤوا بإطلاق أحكام الردة بحق لواء عاصفة الشمال, الأمر الذي سبَّب نزاعات متعددة بين عناصر التنظيم ولواء عاصفة الشمال الذي يعدُّ مسؤولاً عن المدينة عسكرياً وأمنياً.
حوادث اشتباك متفرقة شهدتها المدينة بين لواء العاصفة وداعش في اعزاز كانت تنتهي مباشرة بسبب انشغال الفرق العسكرية بمعركة مطار منغ المصيرية, ولكن سرعان ما تحرَّر مطار منغ العسكري الذي كان إيذاناً بنهاية السلم بين لواء عاصفة الشمال وداعش, حيث بادرت الأخيرة بمنع لواء العاصفة من غنائم مطار منغ واحتكرتها لنفسها وفرضت طوقاً أمنياً على المطار وأطلقت تهم التخوين بحقّ الجيش الحر المرابط في المطار بعد انسحاب دبابات النظام باتجاه المناطق الكردية, على الرغم من أن الواء عاصفة الشمال كان قد لحق بالدبابات ودمَّر بعضها على أطراف جلبل وأسر عناصر من القوات المنسحبة دون تدخل داعش.
صبيحة الثامن عشر من أيلول عام 2013 حاول تنظيم داعش اعتقال طبيب ألماني في المشفى الأهلي بدعوى أنه جاسوس يصور عناصر التنظيم, الا أن حرس المشفى منع التنظيم من اعتقاله, لتتحول القضية لاشتباكات بين الطرفين استدعت داعش على اثرها مؤازرات من ريف حلب الشمالي وأعلنت فيها الحرب على لواء عاصفة الشمال.
قبيل سيطرة التنظيم على المدينة كان لواء عاصفة الشمال مسيطراً على جميع المقرات في اعزاز باستثناء مقر داعش في المالية القديمة, ولكن اتفاق وقف اطلاق النار والصلح كان خديعةً وقع بها لواء عاصفة الشمال حين اعتقد أن الاشتباك سينتهي كما في السابق, إلا أن التنظيم بادر لاعتقال جميع عناصر اللواء في اعزاز بعد اعلان وقف الاقتتال والصلح.
ساعات كانت كافية ليعلن فيها تنظيم داعش عن سيطرته على اعزاز واعتقال مايقارب الثلاثين من مقاتلي العاصفة وسبع اعلاميين من اعزاز بينهم كادر مكتب اعزاز الاعلامي الذي تمَّ اقتيادهم من المكتب وسط المدينة, بالاضافة لمدنيين تم اعتقالهم خلال تمشيط المدينة.
أبرز شهداء ذاك اليوم كان عمر حاجولة مدير المكتب الاعلامي في اعزاز وأحد أقدم الناشطين في حلب, بالاضافة لصبحي دربالة قائد احدى كتائب العاصفة والذي قتله التنظيم بعد اعلان وقف القتال وخفضه لسلاحه.
على اثر سيطرتها على اعزاز قام تنظيم داعش بالسيطرة على جميع الممتلكات العامة في المدينة بينها معدات مكتب اعزاز الاعلامي والمطحنة ومستودعات الاغاثة ومقرات الجيش الحر.
تدخلت بعدها عدة فصائل لتصنع اتفاقاً جديداً يقضي بفكّ جميع أسرى عاصفة الشمال وعودة السلاح والمقرات, لكن التنظيم لم يحقق شروط الاتفاق إذ أخرج بعض الأسرى من إداريين واعلاميين وأبقى على أكثر من خمسة عشر مقاتلاً أسرى لديه لم يتبين مصيرهم حتى اليوم, بالإضافة لمهاجمة مجموعة له حاجزاً للواء عاصفة الشمال قرب قرية سجو.
كان الأمر مفجعاً للواء عاصفة الشمال الذي تركَزت قواته بمحيط اعزاز, لتبدأ بعدها معارك بمحيط أعزاز انتهت بعقد اتفاق وقف اطلاق النار بضمانة فصائل من الجيش الحر, والتي وضعت حواجز بين الطرفين.
نكث تنظيم الدولة الاتفاقات الجديدة واقتحمت قواته مقرات لواء عاصفة الشمال في جبل برصايا في تشرين الأول من عام 2013 في معركة استشهد فيها عدة قياديين ومقاتلين في لواء عاصفة الشمال بينهم منير حسون وشريف دربالة وآخرين, وهدفت المعركة للقبض على عناصر حزب الله الذين كانوا لدى لواء عاصفة الشمال منذ سنة ونصف, حيث سعى التنظيم بكل قدراته للحصول عليهم واتخاذهم ورقة مفاوضات له.
سيطر تنظيم داعش على الجبل وبقي لواء عاصفة الشمال في معبر باب السلامة يقاتل التنظيم حتى دخول العديد من فصائل الجيش الحر بمواجهات مماثلة مع التنظيم في حلب وريفها وادلب, وذلك مطلع عام 2014 حيث شاركت كتيبة احرار اعزاز وفصائل اخرى مع لواء عاصفة الشمال بالمعارك الدائرة على اطراف المدينة والتي لم تتمكن فيها الفصائل من دحر التنظيم.
مع انتشار داعش في حلب واعلان تشكيل جيش المجاهدين بداية يناير من 2014 بدأ التنظيم ينحسر اثر خسارات كبيرة على محاور حلب وريفها الشمالي بعد خسارته للدانا المعقل الرئيسي في ادلب, وشهدت المنطقة المحيطة ببلدتي نبل والزهراء معارك ضارية من عندان حتى كشتعار بين الجيش الحر وداعش, وانتهت بسحب تنظيم داعش لقواته من ريف حلب الشمال بشكل شبه كامل.
صباح الثامن والعشرين من شباط عام 2014 سحب التنظيم كافة قواته التي تم تجميعها في اعزاز واتجه شرقاً ليستقر على تخوم أخترين ضمن حدودٍ جديدة رسمها التنظيم لنفسه كدولة, ودخل الجيش الحر مدينة اعزاز لتنتهي بذلك حقبة ستِّ شهورٍ قتل التنظيم فيها مدنيين وعسكريين في اعزاز وقان بتعليق رؤوس خصومه على مداخل المدينة, وأبرز تلك الشواهد كانت تعليق رؤوس عناصر من الجيش الحر على طريق نيارة بمدخل اعزاز ولعب الكرة برؤوس آخرين.
خلال حكم التنظيم جعل من قلعة أعزاز المركز الدفاعي الأبرز, حيث كانت قناصات عناصر التنظيم تنتشر في القلعة مانعةً من اي تحركٍ ضدَّ التنظيم.
ومن أبرز الحوادث الدامية التي شهدتها أعزاز في حقبة حكم داعش كانت قتل شبابٍ من اعزاز خلال دفاعهم عن امرأة ضايقها عناصر التنظيم في شوارع المدينة ومن اولئك الشهداء كان “محمد رضا نعسو – محمد جمال نعسو – محمود مراشي – محمد نايف الشيل – والاخوة الثلاثة عبداللطيف واحمد وحسام من بيت عثمان الشيل”, ولم يَدع التنظيم اهالي اولئك الشهداء من دفن أولادهم او الحصول على جثثهم.
وانتهى حكم داعش في اعزاز دون أن تتأثر المدينة بأية مظاهر من حكم التنظيم, بل وتبع خروج داعش خروج جيش محمد الذي كان بقيادة ابو عبيد المصري من اعزاز ايضاً بعد مطالبة الجيش الحر له بذلك.
عبدالقادر ابو يوسف – مكتب أعزاز الإعلامي