في الرياضيات يمكن أن نتحدث عن متغيرات وثوابت تؤدي لنتائج حتمية أو محتملة، وكذا هو الحال في المعادلات الاجتماعية.
من الثابت لدينا أن الفقر والمخدرات والفساد المُستشري في المجتمع السوري الذي نعيشه – والذي يأخذ الحماية الكافية لاستمراره وتطويره بما يناسب المراحل اللاحقة – تؤدي حتماً لنتائج كارثية تبدأ بانفصال الأطفال عن أسرهم لأسباب عديدة أبرزها عدم قدرة الأسرة على مجاراة سوق الفساد الاجتماعي، وعدم تلبيتها لاحتياجات الطفل المالية والنفسية، وتنتهي بالشابّ الواقع في انفصامٍ بين مجتمع يرفع شعار الإسلام نهاراً، ويكفر بها في خلوة المساء.
حالات الطلاق والانفصال الزوجي غير الشرعي، ورمي الأطفال على أبواب المساجد، وتمزّق سلطة الأب والأم وشبكتهم العنكبوتية التي تحمي بيضها، كل هذه أصبحت ظواهر نعايشها بشكلٍ يوميّ، كما نعايشُ هروب الكثير من الشباب لتعويض مكانته واحتياجاته بالعمل في شبكاتٍ مسلّحة “نظامية – غير نظامية” ليمارس فيها انفصاله الكامل عن قيم الأسرة والمجتمع “المُفترضة”.
ويقابلها هروب الفتاة من أسرةٍ متفكّكة مليئة بالمشاكل، هاربةً من مسؤولياتها، تُجاه من يملأ هذا الفراغ، فالأسرة التي لاتحمي فتاتها ولا توفّر لها مصروف الدراسة والمعيشة، تترك للشباب المذكور في السطر الأعلى أن يقوم بتلك المسؤولية على طريقته، وحسب درجة العقد النفسية التي وصلها.
في الحديث عن الثوابت نرى جميعاً أن الفقر المصحوب بالتجاهل للمسؤولية الأسريّة قد أدى لتدهور أخلاق الكثير من الشباب والفتيات، وآبائهم وأمهاتهم قبلهم.
ونرى أن المخدرات التي تستقبل أولئك الهاربين من الأسرة اللعينة تفتك بهم وتحولهم من أعضاء في المجتمع، منوطٌ بهم البناء، إلى مَعاول هدّامة، وبؤر عنفٍ وفسادٍ وأوكارٍ لعوائل فاسدة قد تخرج من ضلعهم.
ونرى أن الفساد وعدم التوزيع العادل للثروة، وضياع الحقوق وتهافت المسؤولين على سلب الحقوق تجعل من أولئك الهاربين من القيم الاجتماعية جنوداً وعبيداً لدى مسؤوليهم، يغذّون فسادهم، ويقتاتونَ على فتاتٍ منهم.
تلك ثوابت نتّفق عليها جميعاً أنها أوصلت مجتمعنا لحدّ الهاوية، فلا نهاية لتلك الهاوية حتى نتحدّث عن قرارٍ نرسو فيه في عالمٍ يتغيّر يومياً.
هل نتحدث اليوم عن خطورة الدعاية للمثليين؟
لن نتجاوز تلك الدعوة حين تصلنا لأن الثوابت لا تُنفى بنظرياتٍ مارقة، ومحاولاتٍ عابرة، نملُّ من ممارستها في أقل من ساعة عمل.
أما الحديث عن المتغيرات الاجتماعية التي تعزّز تفكك الأسرة وتهدّم القيم فهي كثيرة، آخرها عايشناه البارحة بترحيل عشرات السوريين من تركيا، بدون أسرهم.
فالأسرة التي تنشأ بدون ربّها تكون أشبه بغنمٍ شاردٍ ينهش منه المُشتهي والمُحتاج، وقليلاً ما تسلمُ الأسرة من نهشٍ بدون راعيها.
لايمكن السكوت عن تلك القضايا لأن آثارها السلبية تأتي مباشرةً، وعواقبها تكون غير متوقّعة، خصوصاً مع ضعف فرص العمل لدى السوريين في تركيا، ومن لا يعمل يضطّر لمن يصرف عليه، وهنا قلّما تكون النوايا صالحة في مجتمعاتٍ مفتوحة مثل تركيا.
يعتبر مجتمع القرية والعشيرة أكثر تماسكاً بسبب انغلاقه وتمكّن المجموعة من صدّ ما يهدّدها مُجتمعة، أما مجتمع مثل اعزاز حالياً فمن الصعب الحديث عن صادّاتٍ قوية، بسبب ضعف سلطة الدين والعائلة، ناهيك عن ضعف سلطة القانون، وكلّ هذه الصادّات أصبحت صَدِأة تعصف بها المتغيرات، بعد أن فقدت جميع أدواتها الفعالة، وبامكانك أن تتابع “ترند” واحد لقضية اجتماعية أو سياسية لتعرف مدى ترهّل تلك الصادّات وفقدان المجتمع الثقة فيها.
لا أعلم حتى الآن طريقة لمواجهة سلبيات التغيرات الاجتماعية، والتي جعلت وسائل التواصل منها عواصف تُنهك الأسرة ومدارس القيم والمبادئ، وبات من الصعب أن تواجه اي تغيير اجتماعي، خصوصاً أن الفوضى هي من تحكم في كلّ شيء.
عبدالقادر حج عثمان