بعد ثلاث سنوات من خروجها مكرهةً من بيتها مع عائلتها، أصرّت ام محمد على زيارة منزلها الواقع في تلرفعت شمال حلب.
كان المنزل حديثاً بناؤهُ، وكان يملؤ حياة العائلة بأكملها.
وصلت ام محمد لمنزلها وطرقت الباب، ليؤدّ عليها صوتُ امرأة غيرُ مألوفٍ:
من في الباب.
أجابت ام محمد:
صاحبة المنزل.
فقالت الغريبة نحن أصحاب المنزل.
شكّل هذا الجواب صدمةً كبيرة لدى ام محمد صاحبةُ المنزل، فلم يعد لها حتى حقُّ التعبير أمام باب بيتها الذي كان لها ولعائلتها، ولكنها تجدُ نفسها غريبة ضيفةً غيرُ مرحبٍ بها أمامه.
أصرّت ام محمد على الدخول بعد ترجٍ وبكاءٍ لاستعطاف محتلةِ بيتها الجديدة.
دخلت ام محمد وكانت على أملٍ بأن يكون ما تراه غيرَ واقعيّ.
منزل بدون أثاثٍ بدون بلاطٍ حيث تم اقتلاعه من الأرض.
لم يبقَ من مخيلةِ ذاك المنزل القديم شيءٌ خلال نظرةٍ واحدة.
تروي ام محمد عن منزله الذي أمسى بلا حياة:
” دخلت المنزل وكان بارداً وشاحباً، نظرت إلى الأرض بداية الأمر حيث اقتلعوا بلاطه وحفّروا جدرانهُ ونهبوا أثاثه كاملاً”
قالت محتلّة المنزل:
” هذا بيتنا وقد أهداه الحزب لنا بعد التحاق أبنائي بقتالكم”
كانت كلُّ اجوبة المحتلة وكل حركاتها حاقدة، وأمرت ام محمد بالخروج من المنزل بعد أن قالت لها:
” بس نطلع منو مارح تشوفي بيت هون رح نمسحو من الحارة”.
خرجت ام محمد وهي ترى أن معظم منازل الحيّ يعيش قصّة مشابهة لمنزلها، المحتلون نفسهم في كل زاوية من حارتها بل في كل منزل في تلرفعت. كلّ شيء زال في تلرفعت ومُحيت آثاره، كان ذاك الإثم العظيم الذي ارتكبته قسد هو بداية النهاية شمال حلب لبلداتٍ وقرى عاشت آمنة بجوار بعضها