
في ظلّ استمرار المعاناة الإنسانية والاقتصادية التي يعيشها السوريون، تبرز تشريعات قديمة تزيد من تعقيد الأوضاع، وتُضيف أعباءَ جديدة على كاهل المواطن، يأتي في مقدّمتها “قانون الضريبة على البيوع العقارية رقم 15 لعام 2021″، والذي أصدره رأس النظام البائد بشار الأسد في 29 آذار/مارس 2021، بناءً على ما أقرّه “مجلس الشعب” آنذاك.
يعمل هذا القانون على فرض ضريبةٍ إضافية على عمليات بيع العقارات، تُحدّد بنسبة من القيمة الرائجة للعقار، والتي تُقدّرها لجان حكومية مُشكّلة لهذا الغرض. وتتراوح هذه النسب بين 1% للعقارات السكنية و3% للعقارات غير السكنية، وفقاً للمادة 5 من القانون.
إشكالية مزدوجة: ضريبة تُدفع مرّتين
يكمن جوهر الإشكال في آلية تطبيق هذا القانون، حيث يُلزم المواطن بدفع الضريبة مرتين: الأولى أثناء سير دعوى نقل الملكية أمام المحكمة المختصة، والثانية عند تنفيذ الحكم الصادر في السجل العقاري. هذه الآلية تضع المواطن أمام عبءٍ ماليٍّ مضاعف، في وقت يعاني فيه من ظروف معيشية صعبة.
يقول المحامي عمر حسين ملا عمر في تصريح خاص لمكتب أعزاز الإعلامي: “المواطن يدفع الضريبة مرة أمام القضاء باسم القيمة الرائجة، ثم يعود ليدفعها مرة أخرى حين تنفيذ الحكم في السجل العقاري. هذا إجراء غير مبرر ويُشكّل انتهاكاً للحقوق المالية للأفراد”.
تجميد للقضايا وتعطيل للمصالح:
أدّى تطبيق هذا القانون إلى تجميد أكثر من 2000 قضية بيوع عقارية في منطقة اعزاز وريف حلب، وفقاً لإفادة المحامين. كما أن هناك قضايا أخرى لم يُقيدها القضاء أساساً، بسبب عدم قدرة المواطنين على الحصول على البيان المالي اللازم من الدوائر المالية، والذي يُعدّ شرطاً أساسياً لمتابعة الإجراءات.
مكتب اعزاز الإعلامي يلتقي محامين في فرع نقابة المحامين السوريين- مكتب اعزاز لمناقشة مشكلة قانون الضريبة على البيوع العقارية رقم 15 لعام 2021.
ويوضح المحامي ياسر بكور أن “المشكلة تفاقمت بسبب عدم وجود قيمة ضريبية محدّدة لعقارات المناطق المحررة سابقاً. فماليةُ اعزاز غير مُدرجة ضمن النظام المالي لدمشق، ولا يمكن إصدار بيان بالقيمة الرائجة إلا من مالية حلب، والتي لا تملك بدورها أساساً تقييم عقارات تلك المناطق”.
انعكاسات إنسانية واجتماعية صعبة:
النتيجة المباشرة لهذا التعطيل هي شلّ حركة البيع والشراء، مما يحرم المواطنين من تحقيق أبسط مصالحهم. الفلاح الذي يحتاج لبيع أرضه أو بستان زيتون لترميم منزله المتضرر، أو لتأمين علاج لأحد أفراد أسرته، يُحاصر بإجراءات بيروقراطية ومالية لا يستطيع تخطيها.
يضيف المحامي محمد محلول: “وصل الناس إلى مرحلة التذمّر الشديد. من غير المقبول أن تظل مصالحهم معلقة بسبب قانون غير مدروس. الوزير وعدنا بحل خلال لقاء سابق، ولكن حتى الآن لم نر أي إجراء ملموس على الأرض”.
الترخيص الحدودي، تشريع آخر يُحاصرُ العقار:
إلى جانب قانون الضريبة، يُشكّل “قانون الترخيص الحدودي” عائقاً آخر أمام تملك واستثمار الأراضي في المناطق الحدودية. حيث يشترط الحصول على ترخيص أمني من وزارة الداخلية – غير قابل للطعن – لأي عملية بيع أو تأجير أو حتى توريث.
هذا القانون يتناقض صراحة مع المادة 15 من الدستور السوري السابق، والتي تنص على عدم نزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة وبعد تعويضٍ عادل. وهو ما يؤكده المحامي محمود الحفار بالقول: “تجمد نقل الملكيات في المناطق الحدودية بشكل كامل. قرار الترخيص قطعي ولا يقبل الطعن، مما يناقض مبدأ حق التقاضي الذي يكفله الدستور”.
خطوات تصعيدية وشيكة:
في مواجهة هذا الجمود، يخطط المحامون في فرع نقابة المحامين بحلب – مكتب اعزاز لسلسلة من الإجراءات التصعيدية في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم، وصرّح المحامي ياسر بكور لمكتب اعزاز الإعلامي أن محامي فرع حلب – مكتب اعزاز سيقومون بخطوات ضغط وتصعيد حتى يتم حل المشكلة، ومن بين تلك الخطوات:
1. تعليق المرافعات أمام محاكم ريف حلب.
2. تنظيم وقفات احتجاجية ضد القانون المذكور وآلية تطبيقه.
3. تعليق العمل في المحاكم بشكل مؤقت.
كما يطالب المحامون بتعليق العمل بقانون الضريبة على البيوع العقارية في منطقة اعزاز، على غرار ما حصل في محافظة إدلب التي لم تعمل بالقانون المذكور، أو العمل على تفعيل مالية اعزاز بشكل يمكّنها من إصدار البيانات المالية اللازمة.
في الختام، تُظهر هذه التشريعات وأوجه القصور في تطبيقها مدى الهوّة بين القوانين النافذة والواقع المعيشي للمواطن، الأمر الذي يزيد من تعقيد الأزمات ويُبعد أي أمل في تحقيق استقرار يعيد للسوريين حقوقهم الأساسية في التملك والعيش الكريم.